منهجية التحليل السياسي للمواقف من حيث الدقة وسوء التقدير Approach Analysis of Political Situations By Professor Doctor KAMAL MM ALASTAL
منهجية التحليل السياسي للمواقف من حيث الدقة وسوء التقدير
Approach Analysis of Political Situations
By Professor Doctor KAMAL MM ALASTAL
مقدمة
يرتبط مصير الدول والشعوب ويرتبط الأمن القومي ارتباطا وثيقا بعملية ودقة تقدير الموقف والتحليل السياسي . التحليل السياسي للوضع القائم ولمصادر تهديد الأمن القومي قد يختلف من شخص إلى آخر ومن قائد إلى آخر..التحليل الخاطئ للوضع السياسي والأمني القائم يقود إلى نتائج خاطئة وقد يؤدي إلى نتائج كارثية على الأمن القومي للدولة أو الأمة.
يرى أستاذنا العلامة المرحوم حامد ربيع أن الخبرة التاريخية الدولية تعلن بوضوح أن هناك نوع من القادة يتميزون بأنهم مغلقي الذهن ، لا يأخذون جميع المتغيرات والمستجدات بنظر الاعتبار عند اتخاذ القرارات. هؤلاء القادة محاطين بسياج من المستشارين المنافقين أو عديمي الخبرة وتكون استشارتهم وبالا ودمارا على شعوبهم..قرارات الحرب والسلام قد تبنى على تقديرات خاطئة وتقود إلى نتائج مدمرة..كم من حرب غير ضرورية خاضتها دول وأطراف عديدة استمرت أثارها لعقود من الزمن..لنتذكر الحربين العالميتين الأولى والثانية وغيرها من الحروب المدمرة التي كانت نتيجة الخلل في مدركات القيادة السياسية وعدم قدرتها على قراءة الخريطة والوضع القائم. هذا النوع من القادة والدبلوماسيين يعتبرون نقمة على شعوبهم ودولهم أنهم يعيشون في عالم متغير ولكن يعجزون عن إدراك التغيير الذي يحصل كل لحظة من حولهم.. سياسيون ودبلوماسيون منغلقون عاجزون جامدون ..ينظرون للأمور باللون الأسود والأبيض فقط. وهذا هو الانغلاق العقلي والشلل الإدراكي ...إنهم مغلقي الذهن Closed – Minded Leader . بالمقابل هناك قادة سياسيون ودبلوماسيون متفتحي الذهن Open-Minded Diplomats لهم قدرة على إدراك المتغيرات والمستجدات المحيطة وإلمام بالبيئة الداخلية والخارجية لصنع قراراتهم بشكل يحفظ المصلحة الوطنية لشعوبهم بما يعزز أمنهم القومي.
أهمية
التحليل السياسي
ويشهد
على أهمية التحليل السياسي ما يتردد من أن العالم بات قرية صغيرة, لا مجال للحديث
فيه عن بعد جغرافي, ومن ثم نجد أن الحدث السياسي الذي يقع في إحدى الدول الغربية
أو في الولايات المتحدة الأمريكية تتعدى آثاره ذلك النطاق والحيز الجغرافي حتى
تترك بصماتها شئنا أم أبينا على البشرية جميعها, حتى ذلك الرجل الذي لا شأن له
بالسياسة وعالمها المتسارع ينال من أثرها نصيبا, وهو الذي قد يجهل الحدث وأسبابه
ودواعيه ويكون فقط ضحيته.
وأيا
ما كان الأمر, فيمكن القول أن التحليل السياسي بات من ضروريات الحياة المعاصرة,
سواء لرجل الدولة الذي مجال عمله السياسة أو المهتمين عامة بالشأن السياسي, أو
أولئك الراغبين أن يكونوا على دراية وسعه أفق تؤهلهم لفهم ما يدور في قريتهم
الصغيرة بدلا من أن تطرق الحوادث أبوابهم ويكونوا من بين ضحاياها وكان بمقدورهم أن
يكونوا من صناع الحدث أو العالمين بدوافعه ومآلاته.
ماهية
التحليل السياسي
يمكننا
أن نعرف التحليل السياسي بأنه "الفهم الدقيق لمسار الأحداث السياسية وإدراك
دوافعها".
أي
أن التحليل السياسي يتضمن شقين أساسيين, يجيب كل واحد منهما على سؤال رئيس لا يمكن
تصور تحليل سياسي لا يجيب عنهما:
الشق
الأول:هو
الفهم الدقيق لمسار الأحداث, وهو يجيب على السؤال الأول, ماذا حدث؟ ونقصد بالفهم الدقيق هنا سبر أغوار الحدث
السياسي وعدم الوقوف عند حد المعرفة السطحية, فقد يحتمل الحدث السياسي أكثر من
معنى, وقد يكون ظاهرة شيئا غير باطنه, وهكذا.. ومسار الحدث ليس المقصود به اللحظة الراهنة
للحدث, أو صورته الأخيرة الظاهرة فقط, بل المقصود به المعرفة والإلمام بالجزء
التاريخي, والوقائع الراهنة ذات الارتباط, بالإضافة إلى الإدراك بطبيعة الشخصيات
والدول وغير الدول الفاعلة ذات الصلة بالحدث أو الظاهرة محل الدراسة أو التحليل.
الشق
الثاني:هو
إدراك الأسباب الدافعة لهذا الحدث, ويجيب على السؤال الثاني, لماذا حدث؟
وهنا
لا يقف المحلل عن مجرد الدوافع الظاهرة البادية فقط, بل يعتني بها بداية, ثم يذهب
يبحث عن الأسباب الأخرى الخفية التي ربما لا يدركها غير المتخصصين والعارفين بأصول
التحليل السياسي. فالإدراك مرحلة تفوق مرحلة العلم والمعرفة, كون مرحلة الإدراك تفيد الإحاطة والشمول بكافة الأسباب والدوافع
الممكنة والمحتملة وعدم الركون إلى بعضها فقط.
مدارس
التحليل السياسي:
تتعدد
مدارس التحليل السياسي، ولكل مدرسة مبرراتها ومسوغاتها وآلياتها بشكل عام، وتبرز
في هذا الصدد ثلاث مدارس, هي:
(1) المدرسة الأيديولوجية:
هناك
من المحللين من يتناول الحدث السياسي تحليلا في ضوء مدرسة أيديولوجية محددة ورؤية
يؤمن بها ويعتقدها. فمثلا المحلل السياسي الذي يؤمن بأن الصراع
الديني هو الذي يحرك التاريخ والذي يقف وراء كل حدث، نجده يشخص كل نزاع سياسي بين
طبقتين على أنه صراع ديني, ويجد في هذا التحليل مفتاحا للدخول إلى مغاليق الحدث
وتفسيره.
(2) المدرسة القومية:
والمدرسة
القومية تحلل أية ظاهرة أو حدث سياسي من خلال النظرية القومية، أي تلك النظرة التي
ترى أن القومية هي جوهر الصراع، أو هي التي تطبع حقيقة الصراع في العالم، فهناك
قوميات في العالم، والمحصلة النهائية للتاريخ في أي لحظة من لحظات مسيرته الطويلة
هي حصيلة التنافس والنزاع والتسابق بين هذه القوميات.
(3) المدرسة الواقعية:
المدرسة
الواقعية، تؤمن بأن الواقع هو المصدر الأول والأخير في التحليل السياسي، فنحن لا
نركن إلى سبب واحد في التحليل، بل هناك جملة عوامل واقعية تفسر وتعلل وتكشف، فلا
نستبعد دور المزاج والتاريخ وشخصية القائد في اتخاذ القرار السياسي، وفي فهم الحدث
السياسي، والظاهرة السياسية، وغيرها من موضوعات التحليل السياسي المطروحة، ولا
نستبعد دور الذكريات بين الدول والشعوب والقوميات والأديان والمذاهب المسئولة عن
الحدث السياسي وتعميقه.
(4) . المدرسة الكفاحية :
المدرسة الكفاحية الصراعية تركز على الثنائيات في التحليل السياسي مثل
من يستطيع أن ينكر أن الرابطة التي تربط النظم النازية بالنظم الشيوعية هي محاولة كل منهما أن يصبغ وجوده بأيدلوجية مكافحة؟
الأولي: كفاح الأجناس
الثانية: كفاح الطبقات
والثالثة :وهناك الصراع بين الأديان والأيديولوجيات. الأيديولوجية هي خطة للحركة. ولكنها خطة تحمل ولو في قسط معين نوعا من التبرير العاطفي للحركة السياسية. كذلك التكنولوجيا ألقت بدلوها في دفع الثقافة السياسية إلى مجالات رحبة.
(5) . الاتجاه القانوني:
الإتجاه القانوني جعل من الدراسة الدستورية المنطلق الأساسي للتحليل السياسي, فعلم القانون يقدم المفاهيم وبالتالي يقدم الإطار الفكري للتحليل السياسي. والحياة السياسية تصير وقد تركزت حول الحياة الدستورية بمعني حكم القانون وليس حكم الأفراد. دراسة النظام السياسية تصير بهذا المعني دراسة للنظام القانوني وللإدارة الحكومية أحد أسباب انتشار هذه المدرسة في التقاليد الأمريكية خلال نهاية القرن التاسع عشر يعود إلى عامل جانبي. ذلك أن أغلب علماء السياسة في أمريكا كانوا يحصلونا على درجاتهم الأكاديمية من الجامعات الأوربية وبصفة خاصة من ألمانيا حيث كان يسود المنطق القانوني في التحليل السياسي, هذا المنطق الذي ظل سائداً حتى وقت قريب في الكثير من الجامعات الأوروبية وبصفة خاصة في فرنسا. ويكفي للدلالة أن فرنسا حتى هذه اللحظة تفرض على عالم السياسة أن يعد نفسه إعدادا جامعيا ألا من خلال قنوات القانون العام.
(6) المدرسة السلوكية:
سيطرت على الفقه الأمريكي باسم المدرسة السلوكية, هذه المدرسة التي كثيراً ما تصف نفسها بأنها علم السياسة الحديث بمعني التحليل السياسي المتناقض والمتعارض مع ذلك الأسلوب الذي سبق ورأيناه في الاتجاهات التقليدية تجعل نقطة البداية التي يدور حولها الإطار الفكري للتحليل هو السلوك السياسي. وبغض النظر عن الاتجاهات الفرعية والمدارس المتعددة التي تنطوي تحت هذه المدرسة فهناك مبادئ معينة يتفق حولها الجميع, أول هذه الاعتبارات هو أن الأساليب الأخرى التقليدية لا يمكن أن تقود إلى معرفة علمية يمكن الاعتماد عليها وأن المنهاج السلوكي هو وحده الذي يستطيع أن يسمح لنا بذلك الاستجابات: ما هو التاريخ أن لم يكن سلوكاً إنسانيا؟ أن الشعوب تخلق القانون ثم هي تتبعه ولكنها لا تتردد عندما تجد ضرورة لذلك في أن تحطمه. والنظم ليست سوى نوع من التوفيق بين مختلف النماذج السلوكية لتقدم حقائق حية تنبع من الواقع ..هذه هي الحياة السياسية, ولا يمكن الإحاطة بها والإمساك بمدلولها ألا إذا كانت وحدة التحليل هي السلوك السياسي.
(1) مدرسة وحدة العلوم الاجتماعية في التحليل السياسي:
يأتي الاتجاه الأكثر حداثة والذي ينبع من مفهوم "وحدة العلوم الاجتماعية" فيضيف حجما جديدة, حيث أن جميع علماء الاجتماع يدرسون ظاهرة واحدة وهي الظاهرة السلوكية, فكذلك علم السياسة لا يمكن ألا أن يكون دراسة للسلوك السياسي: علم السياسة هو علم السلوك السياسي، كما أن الاقتصاد هو علم السلوك الاقتصادي وهكذا وعلم النفس علم السلوك النفسي..., من هذا التأصيل تنبع نتيجة مزدوجة: 1- أن الوقائع أي الحقائق الحية التي تدور حولها عملية الملاحظة والمشاهد, هي واحدة. ولكن من جانب أخر أن حدود التمييز بين كل فرع من فروع العلوم الاجتماعية والفروع الأخرى يتحدد بأنواع السلوك: هل هو اقتصادي أم سياسي أم اجتماعي، أو غير ذلك؟
وهكذا فإن أساليب البحث والتحليل تصير واحدة وتنبع من قواعد مشتركة وتسيطر عليها مبادئ عامة لا تتعدد. من الناحية الواقعية يترتب على مثل هذه النظرية أن عالم السياسة يستطيع أن يتحرك في نطاق تحليله من ميدان إلى آخر، من الميدان الاجتماعي إلى الاقتصادي إلى النفسي إلى العسكري، إلى الفكري دون أن يؤخذ عليه أنه قد غزا ميادين لا يملكها أو على الأقل تبعد عن نطاق اختصاصه الطبيعي. بل ويصل البعض إلى حد القول بأن علم السياسة يصير لا معنى له ولا وجود له حتى أن عالما معاصرا "مالك كوى" خرج علينا منذ عدة أعوام بمؤلف عنوانه يحمل أكثر من دلالة: "لا سياسة السياسة". السياسة بهذا المعنى تشبه الملح يدخل في كل شيء تقريبا.
(8) مدرسة الفكر والحركة في التحليل السياسي
إتجاه وعامل آخر لابد وأن يتداخل في عملية بناء الأصول المنهاجية لعملية التحليل السياسي, ألا وهو العلاقة بين الحركة والفكر في نطاق النشاط السياسي .لقد ظل العالم يفصل بين الفكر والحركة ويرى أن الفكر الذي يعني التأمل والحركة التي تعني مواجهة الواقع ورغم أن كليهما يرتبط بظاهرة السلطة, إلا أن أيا منهما مستقل عن الأخر وظل الأمر كذلك حتى القرن التاسع عشر وكان من أثر انهيار الحواجز أن انهارت الفواصل التي تفصل بين الفكر والحركة. وكان كارل ماركس أول من تلقف نتائج هذه التطور في الحضارة المعاصرة.
ومنذ تلك اللحظة فإن جميع الصور التي قدمتها الإنسانية للوجود الأساسي لم تكن إلا دفعا لخلق العلاقة الوثيقة بين الفكر بالحركة. لم يتصور "ماكس فيبر" Max Weber سوى صورتين من صور العمل السياسي: إما أن تعيش" من اجل السياسة وإما أن تعيش "بالسياسة" الصورة الأولي هي النشاط بمعني المهنة التي ترتبط بالحركة وتعني السعي نحو السلطة. أما الثانية فهي العمل الأكاديمي حيث يصير الوجود الفردي وقد تركز حول التأمل الوصفي لظاهرة السلطة.
نظرية المنهاجية السياسية: المتغيرات وكيفية إدراك مرتكزات الأمن القومي
عملية البناء لنظرية المنهاجية السياسية تنبع من أبعاد مختلفة لا تتفق مع تلك المدارس التي سبق وأوجزنا خصائصها.
أولاً: استقلال الثقافة السياسية. الثقافة السياسية ثقافة مستقلة عن الثقافات الاجتماعية الأخرى. ورغم أنها تتلاقي مع تلك الثقافات تاريخياً وموضوعيا إلا أنها تختلف عنها اختلافا واضحا من حي السياسة هي أسلوب قيادة المجتمع السياسي برضا جماعي ودون إكراه. ولذلك فعلم السياسة لا يمكن أن يكون إلا علم الحضارة. وهكذا عملية الثقافة السياسية يجب أن تنبع من هذه الحقيقة.
ثانياً: السعي نحو تأكيد وبناء عملية منهاجيه التحليل السياسي.
ثالثاً: الإيمان بالصفة الحركية لعالم النظرية السياسية.
رابعاً: التسليم بأن احد أبعاد هذه الحركية يجب أن يكون طبيعة المجتمع وبالتالي مشاكله.
المجال هنا لا يسمح لنا بالتفصيل للنقاط المذكورة..
كيفية والمراحل الخمسة للتحليل السياسي
التحليل السياسي عملية معقدة تفترض مراحل متتابعة تختلف تبعا لموضوع التحليل وأهداف التحليل. نستطيع وبصفة عامة أن نميز فيها بين مراحل خمس:
أولاً: مرحلة منطقية تدور حول عملية بناء إطار التحليل للإجابة على هذا السؤال. ما الذي نريد بحثه؟ وكما سبق وذكرنا تحليل النظام السياسي لا يمكن أن يخضع لنفس القواعد التي تسيطر على بحث يدور حول دراسة السلوك السياسي.
ثانياً: تحديد إستراتيجية البحث, موضوع التحليل والغاية من التحليل فضلا عن حقيقة الإمكانيات المادية وغيرا المادية تسمح لنا ببناء إستراتيجية معينة : خطوات متتابعة كل منها تختم السابقة وتقدم للأخرى اللاحقة.
ثالثاً: الإستراتيجية، أي الإجابة على السؤال كيف؟ تسمح لنا بإجابة دقيقة على سؤال آخر ينبع من هذا السؤال وهو: بأي أداة؟ أو بعبارة أخرى إستراتيجية البحث لا بد وأن تمكننا من تحديد واختيار أداء التحليل التي بدورها ترتبط بتحديه مسلك التحليل.
رابعاً: أداة التحليل تعني لا فقط أدوات المتابعة المنطقية بل وأيضا أدوات جمع المعلومات. وهنا يذكرنا العالم " الألماني"بربشت" بأن العمليات التجريبية المرتبطة بإجراء البحث السياسي تشمل إحدى عشر خطوة على أننا نستطيع أن نلخصها في أربعة: ملاحظة , قياس,اختيار, ضبط.
خامساً: تأتي المرحلة النهائية وهي عرض نتائج التحليل.
يتعين علينا أن نقبل في نطاق التحليل السياسي مبدأين:
1- مبدأ ديناميكية التحليل وسوف نراه تفصيلا فيما بعد ويكفي أن نتذكر أن معني ذلك أن أسلوب التحليل السياسي يجب أن يكون قائماً على التطور والحركة.
2- كذلك يجب أن نقبل المبدأ الآخر الأكثر اتساعا وشمولاً وهو أن البحث السياسي لا يمكن أن يكون إلا قائما على أساسي التقابل والتقاطع والتعاون بين مختلف الثقافات الاجتماعية. أن فقيه السياسة الذي يتصور أنه لا بد في التخصص يستطيع أن يعزل نفسه عن مختلف الأبعاد الاجتماعية للظاهرة السياسية أنما يحكم على نفسه بالجمود والتحجر. وقد أوضحنا اليوم من تقاليد مراكز البحوث السياسية المتقدمة أن تضم أي مجموعة تتناول بالبحث أحد تطبيقات ظاهرة السلطة سواء في الحياة المحلية أو في العلاقات الدولية من خبراء ينتمون إلى الثقافات الاجتماعية الأخرى وبصفة خاصة التحليل الاقتصادي, التحليل النفسي والتحليل الاجتماعي. هذا التزاوج هو ذلك الذي يسمح وحده بالتخلص من الصعوبات التي تفرضها طبيعة الثقافة السياسية.
أدوات
التحليل السياسي
تتركز
هذه الأدوات في إدراك البيئة السياسية ببعديها الداخلي والخارجي وما يتحكم فيها من
مفاهيم وآليات تصيغ الأحداث وتُنشأ القرارات بكافة أنواعها لاسيما السياسية منها. ومعرفة
البيئة المحيطة تتحكم فيه عدة مدارس معرفية, لكن أقربها هي تلك المدرسة التي تمزج
التقسيم الجغرافي بأبعاده المسيطرة والمتحكمة فيه وفي توجهاته وآليات صنع القرار
فيه. ووفق هذه المدرسة يمكن النظر للبيئة على اعتبار أن لها شقين:
الشق
الأول:ـ البيئة الداخلية.
الشق
الثاني: البيئة الدولية.
ويمكن
تناولهما على النحو التالي:
أولا:ـ
البيئة الداخلية (نطاق الدولة الجغرافي)
البيئة
الداخلية يمكن رؤيتها من خلال عدة قوى تتفاعل وتتجاذب لتشكل فيما بينها الصورة
العامة والإطار السياسي والفكري للدولة وهي:
1-ـ القوى السياسية
السيادية.
2- ـ القوى الأمنية.
3- ـ القوى العسكرية.
4- ـ القوى الفكرية
والدينية.
5- القوى دون الدولة والفواعل المختلفة داخل الدولة.
6- القيم
السياسية
وتمارس
هذه القوى دورها وتتفاعل فيما بينها في إطار ما يسمى بـ"الأمن القومي".
ثانيا:البيئة
الخارجية (نطاق العلاقات الدولية)
وهذه
بدورها تنقسم إلى:
أولا:
بيئة إقليمية (الجوار الجغرافي للدولة).
ثانيا: بيئة
إقليمية
ثانيا:
بيئة دولية/ عالمية (تشمل بقية دول العالم والفواعل الأخرى).
وهناك
كلمتان فقط أصطلح على أنهما تمثلان مفتاحين أساسيين لفهم العلاقات الدولية، هما:
(1) القوة
بمختلف أنواعها (عسكرية/اقتصادية/بشرية/علمية..إلخ).
(2) المصلحة القومية,
وهي "قيمة مرغوب فيها"، والقيمة عبارة عن شيء مادي أو رمزي يثير
الاهتمام بدرجة كبيرة تجعل الأشخاص أو الدول تتوقع أنها سوف تنال قدر ما من
"التمتع" إذا حصلت عليه.
آليات
التحليل السياسي:
قسم
العديد من المفكرين آليات التحليل السياسي إلى عدد من الأقسام والمراحل, وهي
كالتالي:
1ـ
تحديد القضية وتعريفها:
فلا
تحليل من دون تحديد القضية، والقضية في التحليل السياسي يجب أن تكون واضحة مشخصة،
وليست ضبابية هلامية.
2ـ
تحصيل الأخبار السياسية المتعلقة بالقضية:
فالمحلل
السياسي يهتم بالخبر السياسي أيّما اهتمام، يفتش عنه، ويتتبع مصادره، ويفكك عناصره
الأساسية، ويستطلع المزيد في خصوصه، ويسبر دلالاته, ويدرك أن قيمة الخبر السياسي
لا تعتمد على مدى الطول والقصر، بل بمقدار ما يحمل من معلومات.
3ـ
توظيف المعلومات لخدمة التحليل:
وبعد
حصول المحلل على معلومة ممحصة إلى حد يمكّن من الاعتماد عليها، تأتي مرحلة أدق
وأعقد، وهي توظيف تلك المعلومات، وإحسان ربطها في منظومة تكون صورة قريبة من
الواقع, بحيث تفسر الحدث ودوافعه, وتعطى الأدلة والبراهين العلمية والموضوعية على
مصداقية هذه النتائج والمخرجات التي توصل إليها المحلل.
دور
العقيدة في التحليل السياسي
نقصد
بالعقيدة هنا كل ما ينعقد عليه قلب الإنسان, وليس بالضرورة أن يكون الحديث منصبا
هنا فقط على العقيدة الإسلامية. أو غيرها من الأيديولوجيا البشري.,
ونحن
نرى أن العقيدة ذات أهمية في التحليل السياسي, فالبعد العقدي شئنا أم أبينا هو
حاضر في النفس كما هو حاضر في الواقع، وهو حاضر كذلك في التاريخ، بل له إسهام كبير
في تسيير مجريات الأحداث, بما لا يمكن إغفاله أو تجاهله.
الخلاصة: إننا في هذا العجالة لا نستطيع التوسع في نظرية التحليل السياسي وعلاقة كل ذلك بالأمن القومي.. والهدف من ذلك إلقاء الضوء على أهمية التحليل السياسي في تناول موضوع الأمن القومي من الناحية النظرية والتطبيقية.
