نماذج من صراع المفاهيم و حرب المدركات في الساحة العربية أ.د. كمال محمد محمد الأسطل
نماذج من صراع المفاهيم و حرب المدركات في الساحة العربية
-ديموقراطية وشرعية الصناديق في مواجهة ديموقراطية التوابيت وزيادة عدد القتلى والمتاجرة بالدماء في مواجهة الشرعية الشعبية
-التجمع السلمي في مواجهة اعتصامات إثارة الشغب وتخريب المرافق العامة وتعطيل مصالح الناس
-العمالة والتخوين هل يقدم العرب والفلسطينيون نموذج مشرق للعملاء والخونة
يشبه النموذج الفيتنامي والألماني الذي قدم نماذج لبناء دول عملاقة كان شعبها يتهم بعضه البعض بالعمالة
بقلم الأستاذ الدكتور/ كمال محمد محمد الأسطل
أستاذ الدراسات العليا في العلوم السياسية-قسم العلوم السياسية-كلية الإقتصاد و العلوم الإدارية
جامعة الأزهر بغزة- فلسطين
Email: kamaltopicgmail.com
Mobile: 00970599843850
29-7-2013
نماذج من صراع المفاهيم و حرب المدركات في الساحة العربية
-ديموقراطية وشرعية الصناديق في مواجهة ديموقراطية التوابيت والقتلى والشرعية الشعبية
-التجمع السلمي في مواجهة إثارة الشغب وتخريب المرافق العامة وتعطيل مصالح الناس
-العمالة والتخوين هل يقدم العرب نموذج مشرق للعملاء والخونة يشبه النموذج الفيتنامي والألماني الذي قام ببناء دول عملاقة
تقديم
هناك مغالطات كثيرة ومتعددة في الساحة العربية حول توظيف المصطلحات والمفاهيم لخدمة أغراض سياسية سواء أكانت حزبية فئوية ضيقة أو على مستويات أخرى. ويشهد الواقع العربي ان التوظيف السياسي للمصطلحات والمفاهيم عادة ما يقود إلى طرق مسدودة وانقسامات وتخندق الأطراف كل في خندق الصدام والمواجهة سواء أكانت مواجهة "حرب باردة" أم "حرب ساخنة".. الكل يتهم الكل والكل ضد الكل حيث يتمزق النسيج الإجتماعي والسياسي شر ممزق.
وحتى لا نستطرد نريد أن دخل حلبة الصراع المفاهيمي الدائر في المنطقة العربية التي تحول مايسمى "ربيعها العربي" إلى "حريق عربي" يأكل الأخضر اليابس وأشعل حريق في كل بلد عربي تقريبا من الدول التي مر "الربيع" عليها. وهو –كما يرى البعض-ربيع مخطط ومبرمج مع الإدارة الأمريكية والصهيونية وقد تكون هذه وجهة نظر ليس إلا.
من المفاهيم التي تخضع لحرب باردة وساخنة نقم نماذج كما يلي:
أولا: ديموقراطية وشرعية الصندوق مقابل ديموقراطية وشرعية التوابيت "القتلى والضحايا"" ومشاريع الشهداء" في مواجهة الشرعية الشعبية
في الوطن العري نشهد عدة انواع ممن يتغنون بالشرعية هناك من يرى أن صندوق الانتخابات هو مصدر الشرعية بالنسبة له وهناك من يرى أن الشرعية يأخذها من عدد القتلي والضحايا الذين يقدمهم هذا الطرف أو الفصيل أو الحزب على مذبح الوصول للكرسي. هناك من يقوم بقتل أكبر عدد ممكن من أبناء الفصيل أو الحزب أو الحركة حتى يقول أنه يتمتع بالشرعية نظرا لأنه تقدم بعدد كبير من "الشهداء" . الاستثمار في الدم واللعب بدماء الناس قد يقود البعض للقول أن مصدر شرعيته نابع من "العدد الكبير مما يسميهم ب"الشهداء". حتى أننا شاهدنا صور لبعض أفراد الحركات يقتلون بعضهم البعض أو يقومون بقتل أفراد من جهات معارضة لهم فتزيد عدد القتلى حتى تدعي أن "قتلاها" على مذبح الشرعية يؤهلها للوصول للكرسي.
ونحن نقول أن الشرعية مصدرها الشعب وليس هناك شرعية لأي كان لا يرضى الشعب عنه . "رضاء الشعب " عن الحاكم هو مصدر الشرعية ويحق للشعب أن يسحب شرعية أي حاكم في أي وقت يشاء. التغني بالشرعية "موضة" قديمة تغنى بها الكثيرون في مختلف الساحات الفلسطينية والمصرية وغيرها. ولكن يبقى الشعب الفلسطينية هو مصدر الشرعية للحكام والشعب المصري هو مصدر شرعية الحاكم في مصر. في فلسطين انتهت الشرعيات وانتهى التفويض الشعبي للحكام ولكن لم يتفق الجميع على العودة للحصول على شرعية مستمدة من "الإرادة الشعبية أو حتى من "صناديق ألانتخابات كل الحكام يتغنون باحترام حقوق الإنسان وكراكته ولكن الواقع مختلف تماما في كثير من الأحيان.
في بعض ميادين مصر يرى المعتصمون أنهم عبارة عن "مشروع شهيد" حتى يتم استثمار دمه للتحريض ضد بلده ووطنه وحكام بلده.
وبمناسبة الشرعية كلنا يتذكر أن معظم الانقلابات التي تمت في المنطقة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين كانت قضية فلسطين مصدر شرعية للانقلابيين الذين كانوا يتهمون "النظام البائد" بأنه موالي للامبريالية والصهيونية وأن الانقلابيين جاءوا من اجل الدفاع عن فلسطين وقضية فلسطين.
ثانيا: حق التجمع السلمي في مواجهة اعتصامات اثارة الشغب والتخريب للممتلكات العامة
تنص القوانين الدولية على حق "التجمع السلمي" Peaceful Assembly سواء أك في الإعلان العلمي لحقوق الإنسان عد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966. ولكن الواقع العربي يشهد أن هناك فهم خاطيء حيث عادة ما يتجمع "مثيري الشغب" في بعض الميادين ويقومون بتخريب الممتلكات العامة وتعطيل مصالح الناس تحت شعار حرية التعبير وممارسة حقوق الإنسان. معظم التجمعات في الميادين في المنطقة العربية لا تخلو من أشخاص يحملون أسلحة بيضاء أو نارية وكذلك أشخاص متخصصون في التخريب والتدمير للمرافق والممتلكات العامة. لقد شاهدنا على شاشات التلفاز المصري –مثلا_ كيف أن أحد التجمعات في القاهرة قامت بتدمير المرافق العامة وخلع أرصفة الطرق وممارسة نوع من قتل الآخر القتل "الذاتي" حتى يتم إثارة الرأي العام العالمي وتأليب الخارج على الداخل والإستقواء بالأجنبي قد تكون هذه الصور لاتعبر عن الواقع ولكن المهم هنا ضرورة عدم الخلط بين "التجمع السلمي" وهو حق لكل مواطن ، وممارسة التخريب والقتل والإعتداءات وترويع السكان الآمنين فهناك فرق بين المفاهيم والممارسات والسلوكيات المرتبة على كل مفهوم. نحن نتمنى للشقيقة الكبرى مصر كل الخير والأمن والآمان فشعب مصر هو شعب شقيق وماتقرره هو شأن داخلي مصري لا يحق لأحد ان يتدخل فيه. ولكن الشاهد تتحدث انه في اكثر من تجمع في ميادين مصر لا يمكن أن يوصف "بأنه تجمع سلمي" بل هناك اعتصامات أقامت متريس من خلال تدمير الأرصفة والممتلكات العامة وتعطيل مصالح المواطنين وأصبحت تتخذ من الإعتصامات "قواعد" لشن الغارات على المناطق المجاور أو إثارة الشغب ثم العودة إلى تلك "القواعد" بسلام او بحرب والأفضل أن تحدث خسائر في الأرواح حتى يتم إثارة ضجة إعلامية واتهام الجيش المصري بالقتل.. قد يكون هناك استهداف للجيش المصر بعد تدمير الجيش العرقي وتدمير الجيش السوري ربنا يحفظ مصر وشعبها وجيشها فهي الرئة التي يتنفس من خلالها سكان قطاع غزة الذي يجب ألا يكونوا ضحية لما يحدث هنا أو هناك حيث ان كل فلسطيني عاقل أو غير عاقل لا يملك سوى الدعاء أن يسود الإستقرار والأمن والأمان مصر المحروسة.
هناك استثمار للإرهاب السياسي وهناتك "قتلى" للاستثمار السياسي، وهناك "شهداء" للاستثمار السياسي والحزبي وهناك أمور كثير مختطة ومشوشة في الخطاب الإعلامي والدعائي.
ثالثا: التخوين: الجميع يتهم الجميع بالخيانة والعمالة فهل أصبحت الخيانة وجهة نظر: هل يقدم نموذج عربي جيد للخيانة والعمالة يشبه النموذج الفيتنامي والألماني الذي قام ببناء دول لها مكانتها
هناك نماذج مشرقة للعمالة والخيانة لم نشهد مثيلا لها حتى الآن في الساحة العربية. فمثلا كانت فيتنام الجنوبية تتهم بأنها عملية للأمريكان والمعسكر الغربي وكانت فيتنام الشمالية متهمة بأنها "عملية للاتحاد السوفيتي والصين والشيوعية. هذا الشعب الذي كان نصفه "عميل" للغرب ونصفه الآخر "عميل" للشرق. استطاع أن يتوحد ويهزم الأمريكان ويقيم دولة موحدة عام 1975 بعد أن قدم أكثر من ثلاثة ملايين قتيل واتني عشر مليون لاجيء ومشرد وأكثر من ملايين معاق.. الشعب الفيتنامي البطل يقدم لنا اليوم نموذج مشرف ومشرق "للعمالة" من خلال وصول فيتنام إلى سلم التقدم الصناعي حيث يبلغ انتاج فيتنام سنويا أكثرلا من مائة وثلاثين مليار دولار.
نموذج آخر تقدمه لنا الخبرة التاريخية الدولية وهو الشعب الألماني الذي كان نصفه عملي للسوفيت ونصفه الآخر عميل للأمريكان. بعد أن توحد الشعب الألماني قدم للعالم نموذج للتقدم الصناعي والقوة الاقتصادية العالمية وحورا قياديا في الإتحاد الأوروبي. الشعب الألماني كان يتهم بعضه بعضا بالعمالة للشرق والغرب فماذا نشهد اليوم.
في فلسطين مثلا الجميع يتهم الجميع بالعمالة هذا عميل للدولة الفلانية وهذا جزء من مشروع صهيوأمريكي وجزء آخر جزء من مشروع أيراني تركي صهيوني أمريكي.. هل يمكن أن يقدم الفلسطينيون نموذج مشرف للعمالة ويقومون بالتوحد وبناء فلسطين لتصبح نموذجا لدولة فلسطين المتقدمة يقودها "عملاء" سواء أكانوا "عملاء" لهذه الجهة أم تلك. هل يقتدي الفلسطينيون بكل من الشعب الفيتنامي "البطل" الذي كان يتهم بعضه بعضا بالعمال ويقتدي بالنموذج الألماني للعمالة الذي جعل من ألمانيا الموحده اكبر قوة اقتصادية في أوروبا وواحدة من أقوى الدول على مستوى العالم.
ويقدم لنا الشعب المصري نموذج مشرف لكيفية هدم المخطط الأمريكي الصهيوني التركي الإيراني الإثيوبي من خلال الثورة الشعبية التي تمت منذ عام 2011 وحتى عام 2013 حيث تتم في مصر عملية تصفية عدة مشاريع في وقت واحد: مشروع تفتيت المنطقة، مشروع تكريس الهيمنة الأجنبية، مشروع تدمير الأمن القومي المصري، مشروع تدمير الوحدة العربية، مشروع فرق تسد، مشروع تأمين الأمن القومي الإسرائيلي، ومشروع تدمير قضية فلسطين...الخ.
وأخيرا نقول أن هذه المفاهيم المتناقضة تمزق الوطن العربي وندعو الجميع لجمع الشمل ورص الصفوف ومواجهة التحدي الحضاري في القرن الحادي والعشرين.
