الدعوة لإستراتيجية فلسطينية عربية جديدة لحل الدولة الديمقراطية الواحدة Towards a one Democratic State Solution instead of two-states solution in Palestine
الدعوة لإستراتيجية فلسطينية عربية جديدة لحل الدولة الديمقراطية الواحدة
Towards a one Democratic State Solution instead of two-states solution in Palestine
ردا على سياسات الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية
(التحول من حل الدولتين نحو حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين وتذويب المشروع الصهيوني في فلسطين في البحر الحضاري العربي الإسلامي والديموغرافيا الفلسطينية
( (راجع أيضا كتاب كمال محمد محمد الأسطل بعنوان: مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب: دراسة حول المشابهة التاريخية بين الغزوة الصهيونية والغزوة الصليبية- الناشر دار الموقف العربي-القاهرة-1980)
الأستاذ الدكتور/ كمال محمد محمد الأسطل
By Professor Dr KAMAL M M ALASTAL
إن إيجاد حلول واضحة ونهائية وحاسمة للمشاكل الدولية أو الاقليمية وخاصة الصراع العربي الإسرائيلي ليس أمرًا ميسورًا؛ لتعقد هذه المشاكل، وتشابك خيوطها، وانتشار أثارها؛ هذا فضلا عن أن ثمة أسبابا ثلاثة تعمل على تغييب الحلول الصحيحة وتغييب الحسم بشأنها، تلك هي: المجال السياسي، وعدم نضج الطبيعة البشرية، وقصور الثقافة العامة مع نقص المعرفة الكونية. [1]
فمقادير الشعوب ومصائر الامم تُبرم وتُنقض في ساحة السياسة، وللسياسة قواعد للعمل وأساليب في التصرف تخالف الأعراف المتعارف عليها بين الناس عادة، وتجانب النظم الأخلاقية المتعارف عليها لدى الجميع، ومن لا يعرف لغة السياسة ومفردات عملها يعجز عن التصرف ويفشل في الوصول إلى أي نجاح.
ويعنى ذلك أن مقادير الشعوب ومصائر الأمم تبرم وتنقص، وفقا للأمر الواقع، والصلات المؤثرة في دوائر النفوذ، بعيدًا عن مفاهيم الناس عن معنى الحق وخلافًا لتقديرات البشر عن مدلول العدل. ففي مجال السياسة يعد الحق ما وقع بالفعل، ويعتبر العدل ما تحميه قوة مؤثرة.
تمثل إسرائيل – رسميًا وشعبيًا – قضية رئيسية تمتزج فيها المشاعر الوطنية، والدينية والقومية على نحو فريد، ويرجع ذلك إلى تاريخ الصراع نفسه وأسبابه ومراحله المختلفة، وكون إسرائيل قد قامت على أنقاض بلد عربي مسلم، يتعذر على كثيرين التغاضي عن مثل هذه الحقيقة الدامغة.
وتتراوح إسرائيل بين كونها قضية وجودية لدى البعض، بما يفرضه ذلك من خوض صراع دائم يفترض نهايته مع نهاية الوجود الإسرائيلي نفسه، باعتباره وجودًا عارضًا، وغير طبيعي وفاقد الجذور مع المنطقة العربية والاسلامية. وتتدرج طبيعة هذه القضية نزولاً إلى مجرد كونها قضية علاقة مع دولة جارة، ولكن لها ظروف شاذة، وغير طبيعية، وبما يحتم التعامل معها، وفق سياسة ذات طابع خاص، بما في ذلك اتقاء شرها وعدوانيتها، ومحاولة محاصرة نزعتها المتنامية في هدم الاستقرار، وتجاوز المعايير المقبولة دوليًا في العلاقات بين الدول وبعضها.
وما بين هذين الحدين الأقصى والأدنى، تتبلور اتجاهات شتى في ثنايا المجتمع العربي، وخاصة بين النخبة السياسية والمثقفة. وهى اتجاهات تتداخل فيها اعتبارات دينية إسلامية، خاصة بالموقف من إسرائيل، واعتبارات عملية تتعلق بعدم القدرة على تغيير الواقع الإقليمي – على الأقل وفق معايير الوقت الراهن – ومن ثم قبوله ولو إلى حين، مع السعي صراحة لدى البعض، وضمنًا لدى البعض الآخر إلى تغيير هذا الواقع الإقليمي، أو على الأقل إبقاء فكرة التغيير حية في نفوس الناس، إضافة إلى عناصر متداخلة ومتشابكة تتعلق بالأمن القومي العربي.
ويمكن الاشارة الى أبرز الاتجاهات على النحو التالي:-
- اتجاه رفض إسرائيل تمامًا نظرًا لعدم شرعية وجودها في أرض فلسطين المغتصبة، والنظر إليها كدولة عدو غير قابلة لأن تكون دولة جارة وفقا للمعايير الدولية العادية، وأن ضررها وعدوانها لا يتوقف على فلسطين وحدها، بل على المنطقة العربية برمتها.
- اتجاه أخر يميل إلى التعامل مع إسرائيل كأمر واقع، وأن يكون لها شرعية ويتم أقامه دولتين أحدهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية.
ومن ثم يمكن القول أن الميل العام لإدراك رفض وجود وشرعية إسرائيل، ومن ثم رفض التعامل معها. وهذا يرجع إلى سببين وهما :-
الخلل الأول: - إن افتراض واقعية الدولة الديمقراطية الواحدة أو الدولة الثنائية القومية. هذا الافتراض التصوري لمستقبل "إسرائيل"، هو خارج حدود إمكانية التطبيق، بالمعنيين التاريخي والعملي، فالمشروع "الإسرائيلي" قام بالاستناد إلى الأسس الصهيونية، وإذا افترضنا المستحيل وتصورنا إمكانية اضمحلال هذه الأسس، فستنتهي "إسرائيل". لقد أدرك الأيديولوجيون الصهيونيون هذه الحقيقة، ولذلك عملوا ويعملون على إحياء شعار (يهودية دولة إسرائيل)، الذي يجانب الواقعية إن تصورنا حداثة طرح الشعار، فهو كان الهدف في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897، وجرى التعبير عن هذا الهدف أيضاً في وعد بلفور، المقطوع للحركة الصهيونية عام 1917، بالتالي فإن مجموعة من الشروط ملازمة بالضرورة لبقاء هذه الدولة. أبرزها التمسك بالأسس الأيديولوجية الصهيونية، والتمسك بالعقيدة التوراتية والعدوان وتشكيل الخطر على الآخر.
الخلل الثاني في هذه التصورات أن اليهودية ليست قومية، وإنما هي ديانة مثل الإسلام، والمسيحية، وبالتالي، فإن القول بوجود الأمة اليهودية أو الشعب اليهودي هو خلل نظري كبير، إن ينم عن ظاهرة، فهي الجهل بالتاريخ والبعد عن الواقع والموضوعية، ولذلك فإن اليهود المعادين للصهيونية يرفضون هذه التسمية، ولهذا فإن شلومو ساند عنون كتابه ب "اختراع الشعب اليهودي" وتوجد كتب كثيرة غيره، جاءت على نفس النمط مثل "إمبراطورية الخزر وميراثها"، بالتالي ووفقاً لما يقوله روجيه غارودي في كتابه القيّم “الأساطير المؤسسة للسياسات "الإسرائيلية" تحولت الصهيونية من عقيدة دينية إلى "عقيدة سياسية وعقيدة قومية"، وفيما بعد حكمًا وبمشروعها في فلسطين تحولت إلى عقيدة استعمارية.
الخلل الثالث في هذا التصور أنها تفصل بين الحقيقة "الإسرائيلية" الصهيونية وبين رديفها الثاني، الاستعمار. فلا يمكن أن يتواجد المشروع الصهيوني بمعزل عن هذا الرديف، الذي هو أساس وجود هذا المشروع، منذ مؤتمر كامبل - بنرمان في عام 1907، الذي أوصى "بضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي بإقامة حاجز بشري قوي وغريب، إنشاء قوة صديقة لنا وعدوة لسكان المنطقة". الصهيونية هي عنصرية متكاملة أيضاً، عقدت اتفاقيات مع الحركة النازية، وساومت على دماء التجمعات اليهودية في أوروبا، ولذلك فالسؤال هو: أي تعايش يمكن إيجاده بين ممثلة هذه الحركة - “إسرائيل”، وبين الفلسطينيين والعرب؟ وفي دولة واحدة أو دولة ثنائية القومية؟ إنه الوهم ليس إلاّ.[2]
إن المشروع الصهيوني في فلسطين هو استعماري الجوهر، لكن الفرق بينه وبين المستعمرين الآخرين، يتمثل في أن هذا المشروع هو اقتلاعي للشعب الفلسطيني، وإحلالي للمهاجرين اليهود إلى الوطن التاريخي للفلسطينيين، الوطن الفلسطيني. وما دام التعامل مع المستعمرين الآخرين جرى من خلال مقاومتهم، فإن المشروع الصهيوني في فلسطين يجب مقاومته مئات المرات، ويجب اقتلاعه من جذوره أيضاً.
الرؤية المستقبلية لإسرائيل وفلسطين
لا تزال عملية إعادة إحياء حل الدولتين ممكنة، لكن عليها أن تمر عبر سلسلة من الخطوات المحفوفة بالمخاطر والصعبة سياسيًا، تكمن الخطورة في أن تبرهن إسرائيل بوضوح ودون أي التباس على أنها راغبة في فك ارتباطها بالضفة الغربية، فثمة حاجة إلى إقناع مؤيدي إسرائيل وشركائها المحتملين، والإسرائيليين أنفسهم، بأن هذا الأمر ممكن والطريقة الوحيدة لتحقيقه تتمثل في التجميد الحقيقي للاستيطان وعكس مساره، بحيث يصبح واضحًا أن ما تم في غزة يمكن تكراره في الضفة الغربية، كما يتطلب الأمر من إسرائيل أن تتبنى نظام أمنى في الضفة العربية يكون أقل تدخلاً في تحرك الفلسطينيين وأقل تقييدًا له. [3]
أما فيما يتعلق بفكرة إنشاء دولة واحدة للجميع التي بدأت تظهر على الساحة في الآونة الاخيرة، وبوجه عام يقع المدافعون عن الدولة المزدوجة القومية في شرك الدعوة إلى حل مثال، دون تحليل صورة هذه الدولة، أو كيف سيتمكن العدوان المتحصنان في خنادقهما من إنشاء مثل تلك الدولة؟
إن فكرة حل الدولة الواحدة قد بدأت تبرز بالفعل، لكنها تبقى إلى الآن مجرد فكرة مشوهة أو خيالية التصور، فالدولة الواحدة التي ستنشأ لن تقوم على أساس قوميتين يتشاطران نفس الأرض على أساس تعاوني متساوٍ، لكنها ستكون، بدلاً من ذلك، دولة ينعم فيه البعض بالحريات الليبرالية والامتيازات الديمقراطية مع استمرارهم في القلق بشأن أمنهم، في حين يُحرم الآخرون من الحرية والأمن على حدٍ سواء، وبكلمات أخرى، إذا قامت دولة واحدة فى المستقبل للإسرائيليين والفلسطينيين سوية، فإنها لن تقوم على التعايش المتساوى بل على علاقات تتسم بالسيطرة من جهة، والمقاومة من جهة أخرى.
إن فشل الحل القائم على انشاء دولتين يرجع إلى أن هذه الفكرة لها افترضان أساسيان لم يكن ممكنًا تحقيقها أو تجسيدها على ارض الواقع. الافتراض الأول: أن التسوية التاريخية بين الحركتين الوطنيتين الفلسطينية والإسرائيلية أمر في متناول اليد. والافتراض الثاني أن الحركة الوطنية الفلسطينية إذا ما أعطيت فرصة بناء دولة فإنها ستتمكن من تحقيق هذا الهدف. [4]
إن الحل القائم على إنشاء دولتين يبدو صعبًا في الوقت الراهن فلا يمكن للطرفين المتصارعين على نفس الأرض أن يصلا إلى تقسيم الأرض فيما بينهم. بناء الدولة الواحدة الديمقراطية قد يكون حلا يحقق طموح الشعب الفلسطيني ويقضي على الحلم الصهيوني..ويجعل ضم الأراضي الفلسطينية والعربية لإسرائيل وبالا عليها...
[1] - محمد سعيد العشماوى، الصراع الحضاري بين العرب وإسرائيل ( القاهرة: دار المعارف، 1997) ص 101.
[2] - فايز رشيد، وهم التعايش مع "إسرائيل، مجلة التحديد العربي، 15 مارس 2011،
[3] - ناثان.ج.براون، زوال حل الدولتين، مؤسسة كارنيغى للسلام الدولى، مايو 2008. http://www.carnegieendowment.org/files/pb58_brown_sunset_final_arabic.pdf
[4] - صعود وأفول فكرة الحل القائم على إنشاء دولتين، سلسلة ترجمات الزيتونة 40، سبتمبر 2009. ص 8.
عدد القراء:
1171
عدد التعليقات:
0
مواضيع ذات صلة
لا توجد اي مواضيع ذات صلة
