• كلمة الدكتور

    كلمة الدكتور كمال الأسطل:

    نسعى جاهدين لدعم الطالب الفلسطيني في كافة المجالات ، واستغلال التكنولوجيا المعلوماتية لذلك قمنا بانشاء الموقع الالكتروني , ويحتوي على مميزات عديدة من اجل ...
  • التفاعل والمشاركة

  • CV - السيرة الذاتية

الأربعاء04-10-2023

الفصل الرابع - مسالك وإقترابات وأدوات التحليل السياسي - الشامل في نظرية وهندسة التحليل السياسي

 تاريخ النشر: 3/7/2023   وقت 3:09:30 مساءً   | طباعة |  ارسل لصديق

مسالك وإقترابات وأدوات التحليل السياسي

 

 

أولاً: التميز بين المفاهيم: أسلوب الاقتراب من الظاهرة مسلك التحليل أداة البحث أو جمع المعلومات:

خصائص الظاهرة تفرض اختيار طريقة معينة في الاقتراب والإمساك بالظاهرة، وطريقة الاقتراب تحكم الأداة التي نستخدمها في عملية الاقتراب. وهكذا هناك حلقة مترابطة الأجزاء:

1- طبيعة الظاهرة السياسية أو غير السياسية،

 2-مسلك أو مقترب أو منهج،

 3- أداة نستخدمها للاقتراب من الظاهرة

 كل منها تؤدي إلى الأخرى وكل منها تعكس السابقة عليها. سبق أن ميزنا بين المنهاج وأداة البحث؛ (1) ورأينا أن المنهاج يقصد به الخطوات المتتابعة التي تعني التنقل المتتالي ابتداء من افتراض معين حتى التوصل إلى تأكيد أو تقييد أو رفض ذلك الافتراض. (2) أما الأداة فهي تلك التي نستخدمها في خلال واحدة أو أكثر من تلك الخطوات. وسبق أن رأينا أن المسلك أو المنهاج، حيث أنه ينبع من طبيعة الظاهرة، لا بد وأن يتعدد لتعدد الظواهر. وتعدد المسالك (الإقترابات) يعني بالتبعية اختلاف الأدوات. حيث أن التعدد يعني التميز. هذه بديهية منطقية ليست في حاجة إلى إثبات، ومن ثم تصير إحدى وظائف الباحث هي أن يبدأ فيحدد تلك الأداة الصالحة والمعبرة عن المسلك الذي تفرضه طبيعة الظاهرة البحثية، وإلا لا بد وأن يؤدي إلى نتيجة عكسية. وهكذا تصير نقطة الانطلاق في تحليل أي ظاهرة، هذه الأداة واحدة وأصيلة لأن تلك الأداة الواحدة هي وحدها التي تستطيع أن تمسك بتلابيب الظاهرة كلية وفي مجموعها بحيث تعكس خصائصها ومقدماتها. ولا يرد على ذلك الإطلاق سوى استثناء واحد: هو غموض الظاهرة الذي يترتب عليه تعدد المسالك ومن ثم تعدد الأدوات وهذا هو ما تفرضه الظاهرة السياسية.

 

على أن تقديم قاعدة التعدد بهذا الشكل يتضمن تبسيطا لمشكلة من أكثر مشاكل التحليل السياسي تعقيدًا.

ثانيًا: التعريف بمفهوم أسلوب الاقتراب من الظاهرة السياسية وأهم تطبيقاته:

تعود الفقه المعاصر على استخدام اصطلاح أسلوب الاقتراب " للتعبير عن مفاهيم مختلفة تبدأ من الفلسفة وتنتهي عند المنهاج العلمي، ومن هنا أننا يجب أن تحدد هذا المفهوم بأنه مرادف في أوسع معانيه لإستراتيجية عامة بهدف دراسة ظاهرة معينة. بهذا المعني يمكن القول بأن أسلوب الاقتراب يعني" محاولة تحديد مفهوم تنظيمي، أو مجموعة من المفاهيم تسمح بتوجيه البحث وتنسيق المعلومات الميدانية من مصادرها المتعددة". بهذا المعني نستطيع أن نستخلص النتائج الآتية: -

1-     أن أسلوب الاقتراب قد يتضمن الافتراض ولكنه قد لا يتضمن أي افتراض وعلى كل فهو في ذاته ليس مرادف لكلمة افتراض.

2-     أنه لا يوجد أسلوب للاقتراب صحيح وآخر خاطئ وإنما هناك أسلوب أكثر صلاحية وآخر أقل صلاحية.

3-     أن أسلوب الاقتراب ليس إلا وسيلة لخلق أعمدة أو ركائز نستطيع في مرحلة الغموض الذي يكتشف الخطوات الأولي في سعينا للكشف عن الظاهرة أن نستند إليها منعا من التشتت.

وهكذا لو أردنا أن نتصور مدلول هذا الاصطلاح. فلنتصور قائد سفينة يريد أن يعبر المحيط من قارة إلى أخرى. وهو يسعى إلى التوقف على بعض الجزر خلال عبوره للمحيط التي تسير به السفينة، بالنسبة له التوقف بالجزر في طريقه ليس بمثابة غاية في ذاتها وإنما وسيلة لاستعادة قواه ومراجعة نفسه، وعدم فقد طريقه إلى الغاية المنشودة. هكذا أسلوب الاقتراب بالنسبة للتحليل السياسي هو يتضمن تحديد لوحدات معينة أو مفاهيم محددة لا لأنها في ذاتها جوهرة تحليله وقصده من البحث وإنما لأنها تحميه من الضياع والتشتت خلال المراحل المتتابعة التي تفرضها عليه مشكلة التحليل السياسي. سوف نرى فيما بعد ونحن بمعرض بناء الإطار الفكري للتحليل كيف أن هذه الوحدات متعددة وكيف أنها تختلف من كاتب لآخر ومن مؤلف لآخر. ولكننا نستطيع أن نجمعها على وجه العموم في مجموعات ثلاث.

 

ثالثًا: مجموعات التحليل السياسي

المجموعة الأولى: - وتجعل أسلوب الاقتراب يدور حول المفاهيم المرتبطة بتكوين الظاهرة السياسية ويندرج تحت هذه المجموعة على سبيل المثال أسلوب للاقتراب الذي يوصف بأنه فردى بمعنى أنه يجعل المفهوم الأساس الذي يدور حوله التحليل أو الذي تنبع منه كليات البناء الفكري لعملية التحليل هو مختلف التعبيرات عن استعداد الفرد للتجاوب أو عدمه مع الوسط الاجتماعي الاتجاهات، الأمراء، خصائص الشخصية، السلوك، جميعها وحدات تنبع من هذه الحقيقة. صورة أيضا من صور هذا الأسلوب من أساليب التحليل هو جعل المفاهيم تدور حول عملية اتخاذ القرارات هذه العملية بدورها ليست إلا امتداد لخصائص المواطن ولكن، في تلك اللحظة، يصير الحاكم وليس المحكوم. وإذا وسعنا من هذا الأسلوب وصبغناه بالصبغة الرياضية المجردة لوجدنا أنفسنا، فيما يسمى بنظرية اللعب، اصطلاح غير موفق للتعبير عن المفهوم الاستراتيجي في عملية المقامرة السياسية.

أما المجموعة الثانية- فهي تترك جانبا الهيكل وتلقى بنفسها في طبيعة الوجود السياسي أي في جوهر العلاقة بين الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة. هي لا تقف إزاء الخصائص الهيكلية أو الخارجية، ولكنها تتعدى ذلك إلى طبيعة علاقة التأثير والتأثر بين مختلف مقومات الوجود السياسي وكيف أنه يدور حول عملية معينة أو حول وحدة معينة تميز هوية وطبيعة الوجود السياسي عن غيره من صور الوجود الاجتماعي. هي بعبارة أخرى تواجه الظاهرة السياسية في لحظة معينة ولكن ليس كحقيقة جامدة وإنما كحقيقة ديناميكية أي كعلاقة بين مصدر ونتيجة، ومن التطبيقات الحديثة بهذا الأسلوب والتي بدأت تلاقي رواجاً واسعاً في الفقه بصفة خاصة في محاولته لخلق نظرية سياسية تربط كلا من الحياة السياسية والنشاط السياسي للدول، هي نظرية "كارل دويتش" والتي تقوم على أساس مفهوم الاتصال السياسي حتى تصير عملية الاتصال بين الطبقة الحاكمة والطبقات المحكومة هي جوهر الظاهرة السياسية. وهكذا تصير مفاهيم عناصر البنيان المنطقي للتحليل السياسي: الفيضان الإعلاني كمية المعلومات، مضمون الرسالة، أداة الاتصال، أنواع الاتصال، الاستجابة والمشاركة......... الخ.

المجموعة الثالثة- على العكس من ذلك تجعل من مفهوم التطور الركيزة التي يجب أن تدور حولها عملية التحليل. التطور السياسي يعني متابعة الانتقال من واقعة إلى أخرى، ومن حدث إلى آخر، ومن موقف إلى آخر كيف يتم ذلك؟ ما هي طبيعة عملية التطور بمعنى الانتقال المتتابع من نظام إلى آخر؟ بهذا المعني أيضا المسالك لا حصر لها، ولعل أهمها نظرية التوازن السياسي حيث ترى في التطور السياسي نوعا من التنقل ابتداء من وضع إلى آخر بقصد التخلص من صورة أو أخرى من صور الاختلال في أجزاء الجسد السياسي للتجديد السياسي، الثقافة السياسية اختلال التوازن، المجتمع المعتدل، أدوات فكرية تدور حولها عملية التحليل.

الذي يعنينا أن نتذكره بهذا الخصوص ومع ملاحظة أننا سوف نعود إلى تقديم نماذج أخرى من أساليب الاقتراب من الظاهرة السياسية أن جميع هذه المسالك صالحة للتطبيق في أي بحث سياسي. وأن الباحث أن يفصل بين أي منها أو أن يجمع بين أكثر من واحد منها تبعا لطبيعة المشكلة.

 

رابعًا: ذاتية الظاهرة السياسية وأثره في تميز التحليل السياسي عن غيره من مختلف تطبيقات التحليل الاجتماعي

مما سبق رأينا كيف أن طبيعة الظاهرة السياسية فرضت قلب القاعدة التي نتقبلها عادة بلا تحفظ في البحث العلمي، وبصفة خاصة في العلوم الاجتماعية، والتي تدور حول نقطة البداية في أي تحليل علمي هي الإجابة على هذا السؤال: ما هي الأداة التي سوف نتبعها في جمع المعلومات والإمساك بتلابيب الظاهرة؟ فكما أن تحليل الماء وإعادته إلى عناصره الأولى من أوكسجين وهيدروجين يفترض أن نخضعه لدرجة حرارة معينة – أي أن الحرارة هي الأداة التي أخضعنا الماء لها. علينا أن نبدأ فنتساءل ما هي الأداة التي سوف تسمح لنا بكشف أغوار تلك الظاهرة الاجتماعية؟ هل يكفى الاستبيان فنجمع عن الظاهرة معلومات خارجية ونكتفي بالاستقراء الكتابي دون حاجة إلى خلق علاقة شفوية بين مصدر جمع المعلومات ومن يتولى جمع المعلومات، أم يجب على العكس من ذلك أن نلجأ إلى الاستبار)أي سبر غور الظاهرة)، بحيث نغوص في أعماق النفس البشرية بحثا عن المبررات الدفينة والعوامل الخفيفة المرتبطة بالوعاء اللاشعوري للنفس الفردية. فجمع معلومات عن عدد الأبناء في الأسرة ليس في حاجة إلى نفس الأداة التي نستخدمها إذا أردنا تحليل ظاهرة عدم التجاوب الاجتماعي (أو الجنسي مثلا) مثلا، بل وقد يكون في الالتجاء إلى أي من هاتين الأداتين الكفاية ومن ثم يجب أن نفصل المواقف، ونسجل ردود الفعل المختلفة في شكل اختبارات متعددة الأنواع ومتعددة المراحل.

على العكس من ذلك في نطاق الظاهرة السياسية حيث القاعدة مختلفة وإذا كنا قد سبق ورأينا أن أسلوب الاقتراب بمعنى الإستراتيجية وأن المسلك بمعنى المنهاج قد يتعدد، بل ومن المستحسن أن يتعدد’ فإنه على العكس من ذلك بالنسبة لأدوات التحليل على قاعدة التعدد تصير لازمة ومطلقة. يجب علينا أن نلجأ إلى أكبر قدر ممكن من أدوات التحليل. لا توجد أداة أكثر صلاحية من غيرها ولا توجد أداة ليست صالحة ولا توجد أداة صالحة في ذاتها لجميع الأدوات صالحة. الصلاحية يحكمها التعدد، التعدد تحكمه المقارنة. أن المقارنة فقط هي التي تسمح بالتجرد والوصف وهذا الذي يجب أن يحكم العملية المنهاجية في التحليل السياسي منذ بدايتها حتى نهايتها.

 

ما هي أسباب ذلك؟ غموض الظاهرة السياسية سبب للتعدد في الإقترابات والأدوات

سبق أن رأينا أن السبب في قاعدة التعدد في الإقترابات والأدوات فيما يتعلق بالظاهرة السياسية، من حيث مسالك الاقتراب ومن حيث مناهج التحليل هو غموض الظاهرة. ولكن كيف نفسر قاعدة التزام الباحث بتعدد الأدوات؟ نفس التفسير السابق ذكره يصلح لتبرير هذه القاعدة في تطبيقها، ولكن هناك اعتبار آخر يضيف إلى حجية القاعدة في هذا التطبيق: مرده طبيعة العلاقة بين المادة السياسية والمادة الاجتماعية. 

خامسًا: ما هي المادة السياسية؟

المادة السياسية هي المادة الاجتماعية منظورا إليها من ناحية السلطة. السلطة هي قوة فإذا بنا في مواجهة طبقتين إحداهما محكومة والأخرى حاكمة. المادة السياسية هي إذن المادة الاجتماعية وقد تبلورت حول السلطة. السلطة تعكس حقائق أخرى عديدة لا حصر لها اقتصادية – ثقافية- ديموجرافية ونفسية- الوصول إليها يفرض علينا أن نلجأ إلى جميع النوافذ وأن نستعمل جميع الأدوات التي يفرضها كل من تلك المسالك.

الظاهرة السياسية هي ظاهرة، من جانب آخر، حركية ديناميكية، والحركة تفرض تعدد المواقف، لأننا لا نستطيع أن نقدم صور الحقيقة الحركية استنادا إلى اقتطاعها في لحظة معينة مهما طالت فهي جزئية زمنية. الحركية تفرض أن نقدم لها متابعة زمنية، وهكذا كلما تعددت النوافذ كلما كانت الصورة التي سوف يصل إليها تفكيرنا التجريدي أقرب صدقا وأقرب تعبيرا عن الحقيقة. الحقيقة السياسية بعبارة أخرى لا وجود لها في ذاتها، حقيقة ديناميكية وحركية، ورغم ذلك لا نستطيع أن نمسك بها وإنما فقط بالأدوات هي وحدها التي تسمح بتلك الخلاصة التي هي التصور الذي بدوره يكون جوهر المعرفة بالظاهرة السياسية.

هذه العملية تذكرنا بذلك المخرج الذي يريد أن يعرف قدرات الممثلة. فهو يفرض عليها أن تقدم له صور متعددة لمختلف أجزاء جسدها وكلامها ومهاراتها. ثم هو يفرض عليها أن تتحرك في أكثر من اتجاه واحد. ثم هو يطلب منها أن تقدم أكثر من تجربة كلامية واحدة. وفقط عقب ذلك يتصور صلاحيتها لأداء الدور الذي يدعوها للقيام به. الصور هي أساليب الاقتراب. الحركة هي المناهج، الأدوار هي الأدوات ولكن لو اقتصر على صورة واحدة أو موقف واحد أو أداة واحدة، فكيف يستطيع أن يصدر حكمه.؟

 

سادسًا: مدلول التعدد المنهاجي في التحليل السياسي:

التعدد هكذا يجب أن نفهمه بأوسع معانيه:

1- هو تعدد في أساليب الاقتراب أي في المقومات الفكرية التي تقوم عليها إستراتيجية جمع المعلومات ومتابعة التحليل. فلا يوجد ما يمنع بأن تجمع المعلومات عن الفرد (الآراء، الاتجاهات....)، الحاكم (خصائص القيادة، عملية اتخاذ القرار....)، الجماعة (ظاهرة التحول الاشتراكي أو الديموقراطي، الوظائف،...)، النظام السياسي (المكتسبات، المنطلقات، رد الفعل....) في أن واحد.

2- هو تعدد في المسالك. بمعني أنه لا يوجد ما يمنع بالنسبة لأي من هذه المفاهيم أو جميعها أن نجعل مسلك التحليق تاريخيا أو نظاميا أو سلوكيا أو كل منها في آن واحد.

3-     ثم تعدد في الأدوات بمعني أنه يجب أن تكون هناك أدوات مباشرة وأخرى غير مباشرة، توثيقية وأخرى ميدانية، تجريدية، وأخرى تجريبية، عميقة وأخرى سطحية...... الخ.

4- كذلك فأن التعدد يجب أيضا أن يشمل أنواع تطبيق نفس الأداة أن كان لذلك موضع. فمثلا الاستبار له تطبيقات متعددة سوف نتعرض لنفصلها فيما بعد يجب أن نلجأ إلى جميع أنواع الاستبار أو إلى أغلبها تبعا لإمكانياتنا المادية والزمنية كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

 

سابعًا: التعدد وأدوات تحليل النتائج، التمييز بين الاستقراء والاستنباط والانتقال من الجزء إلى الكل:

كذلك التعدد يجب أن يفهم لا على أنه فقط إحدى قواعد عملية الاختيار في أدوات جمع المعلومات، بل وهو يشمل أيضا أدوات تحليل النتائج، أو بعبارة أخرى فأن قاعدة التعدد يجب أن تتسع لتشمل عملية التأصيل المنطقي المجرد لنتائج التحليل. سوف نرى فيما بعد أن الأدوات المنطقية في التحليل السياسي أربعة: الاستقراء والاستنباط والقياس وثم الانتقال من الجزء إلى الكل. الذي يعيننا أن نتذكره منذ الآن هو أن عملية الجمع بين الأدوات تفرض تطبيق نفس القاعدة بخصوص أيضا هذه الأدوات التجريدية.

وهنا يتعين علينا أن نلاحظ الآتي:

أ0 أنه من الخطأ جعل التباين بين الاستقراء والاستنباط معبرا عن التعارض بين البحث التجريبي والبحث التجريدي. فكل من هذه المفاهيم الأربعة يعبر عن حقيقة مختلفة كل الاختلاف.

1-              الاستقراء وهو الانتقال من الخاص إلى العام. وبعبارة أخرى هو عملية تقييم لحكم معين: هذا الحكم الذي يخضع لعملية التعميم قد يكون مرده الملاحظة ولكنه قد ينبع من المنطق المجرد. فالقول بأن مواجهة الأسد عمل ينطوي على شجاعة هو حكم خاص. ثم تعميمه في شكل هذا المنطوي: مواجهة الحيوان المتوحش عمل ينطوي على شجاعة، هو نوع من الاستقراء لأنة يعني الانتقال من الخاص إلى العام.

2-              الاستنباط هوة الانتقال من العام إلى الخاص أي هو تفريع نتيجة على قاعدة أو حكم. عملية بطبيعتها منطقية، ولكن هذه العملية المنطقية قد تستنتج من تجربة أي قد ترتبط بواقعية معينة. على كل فهي عملية تخصيص وتطبيق. سواء كان ذلك التخصص يدور في كليات منطقية أو فكرية أم ارتبط بحقائق تجريبية. فالقول بأنني شاهدت الشخص (1) وهو يهاجم جسم الحيوان المتوحش (ب) ثم استنباط صفة الشجاعة كإحدى خصائص (1) هي عملية استنباط تتفاعل فيها الكلية المنطقية مع الواقعة مصدر الأداة التجريدية.

3-              البحث التجريبي هو أسلوب للبحث أساسه المعرفة المباشرة بالظاهرة و الإمساك بتلابييها لا عن طريق المنطق وإنما عن طريق الاحتكاك المباشر، إن الاستفهام لا يجيب عليه المنطق والفكر وإنما الظاهرة نفسها هي التي تتولى تلك الإجابة. المادة تخضعها لعملية التحاليل الكيماوية فتخرج من باطنها الإجابة في شكل إشاعات أو تفاعلات معينة.

4-              البحث التجريدي على العكس من ذلك لا يدور إلا في المنطق الصوري وحول الكليات الفكرية سواء لاستحالة الإمساك بالظاهرة كما يحدث في علم الفلك، أو لصعوبة تحقيق تلك العملية- العلوم الاجتماعية- أو لعدم الرغبة حتى حيث يمكن إجراء عملية الإمساك بالظاهرة- علم السياسة-، أو لعدم الحاجة إلى ذلك- علم الرياضة فأن النتيجة واحدة: المنطق المجرد هو الذي ينتقل من كلياته المتتابعة ابتداء من كلية إلى أخرى سواء من الخاص إلى العام أو من العام إلى الخاص،، ليصل في النهاية إلى تأكيد منطوق معين أو عدم صحة افتراض معين.

ب- كذلك يجب أن نتذكر في أن منطوق الكليات المجرد يختلف من حيث مداها ومدى ما تفترضه من تعميم. ويكفى لإيضاح هذا التدرج أن نقدم النموذج التالي:-

نموذج (1): جميع المشتغلين بالسياسية أشخاص منافقون.

نموذج (2): لا يوجد مشتغل بالسياسة منافق.

نموذج (3): بعض المشتغلين بالسياسة منافقون.

نموذج (4): بعض المشتغلين بالسياسة غير منافقين.

1-النموذج أو المثال الأول هو منطوق إيجابي ذا صيغة عامة أنه يفترض أن هناك مجموعتين من الأفراد إحداهما تتصف بصفة الاشتغال بالسياسة والثانية تتصف بصفة الكذب وعدم الصدق. معنى المنطوق الأول أن كل من ينتمي إلى الفئة الأولي أي فئة المشتغلين بالسياسة ينطوي تحت المجموعة أو الفئة الثانية وهي فئة المنافقون.

2-المثال الثاني يعكس نفس المثال السابق ولكن بمعنى سلبي. فالفئتين كل منها مستقل عن الأخرى وأي من العناصر أو الوحدات التي تنتمي إلى كل من هاتين المجموعتين لا تنتمي إلى المجموعة الأخرى. كما أن هناك علاقة تطابق أو اندماج في النموذج الأول هناك علاقة ابتعاد واستقلال وانفصال بين المجموعتين في النموذج الثاني.

3-النموذج الثالث مع تسليمه بوجود فئتين أو مجموعتين تفرض أن هناك بعض العناصر التي تتصف بصفة الاشتغال بالسياسة تتصف أيضا بصفة النفاق. هذا يعنى أن المنطوي لا يتضمن حكما عاما أنه يسلم بأنه قد يوجد تجمع بين الصفتين وقد لا يوجد هذا التجمع. وهكذا تصير العلاقة بين هاتين المجموعتين علاقة تقابل وتعانق جزئي.

ما معنى كلمة بعض؟

 علينا أن نتساءل ما معنى كلمة "بعض" هذه الكلمة غير محددة هل تعني على الأقل واحد؟ على الأقل اثنين؟ أو ماذا ؟ منطقيا يجب أن نسلم بأن كلية البعض تعنى أن ما يتبعها كمجموعة يمثل الاستثناء على المجموعة الكبرى التي يثور بخصوصها العلاقة مع تلك المجموعة المعلقة على البعض. بعبارة أخرى المنطوق الثالث فأن مدلول بعض يعني أن أولئك السياسيون الذين يتصفون بالنفاق هم قلة إزاء السياسيين بصفة عامة الذين لا يتصفون بالنفاق، وبالتالي لا ينتمون إلى تلك المجموعة المفترضة التي تجمع بين صفة النفاق والاشتغال بالسياسة. وهكذا فأن هذه الصياغة التي تبدو لأول وهلة صياغة ايجابية إلا أنها تتضمن صياغة سلبية ذات صفة تميل إلى العمومية، وأن لم ترتفع إلى مرتبة العمومية الواردة في المنطوق الثاني خلف هذه المنطوق الثالث هناك منطوق آخر مستتر لم يعلن عنه ولم يصرح به: أغلب المشتغلون بالسياسة غير كاذبين.

4-أما المنطوق الرابع فهو نفس المنطوق الثالث مع دلالة عكسية. هو لا يحيل إلى كلية ذات صفة عامة، وهو من حيث الشكل يتضمن منطوقا خاصا سلبيا. ولكنة أيضا يفترض ويستتر خلفه منطوق يكاد يكون عاما وإيجابيا. كما لو كان القائل يريد أن يعلن: أغلب المشتغلون بالسياسة غير منافقين.

كل هذه المستويات الأربعة تؤدى وظيفة تختلف عن وظيفة الأخرى فإذا كان المنطوقين الأول والثاني يتضمنان أحكاما عامة. فأن الثالث والرابع لا يعنيان فقط مجرد تخصيص الحكم بل يعنيان أيضا الشك في انطلاقية/ أطلاقية الحكم المخالف لذلك المنطوق المرتبط بالتخصيص والتقييد، كذلك فهناك فارق بين المنطوق الأول والمنطوق الثاني: العلاقة بين المجموعات في المنطوق الأول هي علاقة مطابقة أما في الثاني فهي علاقة استقلال. كذلك فيما يتعلق بالمنطوقين الثالث والرابع فهناك فارق جوهري الشك الذي يتضمنه المنطوق الثالث حول الصفة الإيجابية أي صفة النفاق. وفي المنطوق الرابع حول الصفة السلبية أو صفة عدم النفاق وهو لذلك يعلن عنها ويترك تلك الكلية التي ليست موضع شك في الإطار الخلفي لمنطق المستقبل.

ثالثا: كذلك يجب ألا يختلط في ذهننا الفارق بين عملية الانتقال من الخاص إلى العام أو العكس وعملية الانتقال من الجزء إلى الكلي أو العكس. الأولى التي تعبر عنها بالاستقراء والاستنباط: الاستقراء انتقال من الخاص إلى العام. والاستنباط انتقال من العام إلى الخاص. أما الثانية فتعرفها بأنها علاقة بين الميكرو Micro والماكرو Macro أو بين الجزء والكل.

فالظواهر بصفة عامة إما أنها ظواهر جزئية أو ظواهر كلية. وكذلك نفس الظاهرة حتى الجزئية إذ تتكون من العديد من العناصر، فأن كل عنصر منها يمكن أن يوصف بأنه جزء من الكل. هذه الحقيقة التي قد تبدو غير واضحة في الظواهر الطبيعية والتي قد تبدو أقل وضوحا في الظواهر الاجتماعية تصور بصورة واضحة وخطيرة في الظاهرة السياسية. فالظاهرة السياسية من حيث طبيعتها ظاهرة كلية ولكنها من حيث مقوماتها هي مجموعة ضخمة من الظواهر الجزئية، ومن ثم فإن تحليل الظاهرة السياسية على المستوى الجزئي يعنى تحليل للمقومات، أما التحليل على المستوى الكلي فيعني تحليل للظاهرة في تكاملها وفي إطلاقاتها وهكذا فإن الانتقال من الجزء إلى الكل يعني الانتقال من تلك الظاهرة الجزئية أو الفرعية إلى الظاهرة الكلية أو العامة. أما العكس فهو انتقال من تلك الظاهرة الكلية إلى ظاهرة جزئية تابعة لها. أو بعبارة أخرى إذا أردنا أن نفهم هذه العلاقة فنتذكر ما يأتي:

1-             أن أي ظاهرة لا بد وأن تندمج في نظام وأن تصير عنصر أو كوكبا من عالم مستقل بذاته. فعالم الفلك يضم الكثير من الكواكب والنجم والمجرات والمجموعات من بينها الكرة الأرضية والقمر والمريخ مثلا ومن ثم فالقمر يمثل الجزء من ذلك العالم. أما العالم فذلك الذي لا نهاية له فهو الكل الذي ينتمي إليه القمر وغيره من الأجرام السماوية.

المشاكل المنهاجية التي تثيرها هذه العلاقة اللازمة لكل وجود مرتبط بالظواهر يأخذ معنى مزدوج: من جانب كيف يمكن أن نفهم العالم الكل أي عالم الفلك مثلا ابتداء فقط من فهمنا للكواكب التي تنتمي إلى ذلك العالم الكل. فلو تصورنا أننا فهمنا جميع خصائص الكرة الأرضية فهل نستطيع استنادا إلى هذا الفهم أن نفهم جميع خصائص الكون السماوي؟. من جانب آخر كيف نستطيع أن نفهم بعض الوحدات الجزئية التي تنتمي إلى العالم الكل والتي لم نستطيع أن نصل إلى فهمها كلا أو جزئيا ابتداء من معرفتنا بأجزاء أخرى بذلك العالم الكلي؟ فلو عرفنا خصائص الكرة الأرضية فهل نستطيع أن نفهم خصائص القمر ابتداء من تلك الخصائص المعلومة والخاصة بالكرة الأرضية استنادا إلى أن جميع أجزاء الكل لا بد وأن تعكس ولو بعض الخصائص المتشابهة.

2-             كذلك يجب أن نتذكر أنه كما أن كل دراسة علمية أو عملية لا بد إلا أن تكون تحليلية بمعنى إعادة الشيء إلى مقومات، كما يقول أرسطو، فأن دراسة الظاهرة في حقيقتها الديناميكية أي كتطور أو بعبارة أخرى كعملية تفاعل لا بد وأن تحدث تنقلات متتابعة فإن ذلك لا يمكن أن يتم إلا استنادا إلى تحليل كلى أو بعبارة أخرى دراسة مكروكزمية Macrocosmفلنقدم مثالا:

 

سابعًا: بحث موقف الرأي العام من مشكلة معينة يأخذ في العادة الصورة الآتية:

(1) عينة ممثلة تختار استنادا إلى أسلوب إحصائي معين بحيث أن هذه العملية تضم وحدات ونسب معبرة عن جميع شرائح وفئات المجتمع السياسي. ثم نحلل اتجاهات هذه العينة. ونقوم عقب ذلك وتبعا لنتائج هذه العملية بتعميم لما وصلنا إليه من استكشاف لتلك الاتجاهات على جميع طبقات المجتمع السياسي. فإذا كان قد تبين لنا من بين ألف شخص يمثلون عينة مختارة على أسس إحصائية سليمة أن هنالك سبعمائة شخص يؤيدون قرارا معينا بخصوص تلك المشكلة فإننا نستطيع أن نقول بأن المجتمع السياسي بأغلبية عظمى يؤكد الالتجاء إلى ذلك القرار. وما هي طبيعة العمليات المنهاجية التي توصلنا عن طريق استخدامها إلى ذلك الحكم العام؟ أول هذه العمليات افتراض منطقي أساسه أنه حيث تتحد المقومات والمتغيرات فأن الرأي السياسي يكون واحدا هذا الافتراض يمثل قانونا قد سبقت صحته وانطلاقا- أي انطلاقا من العلوم- نحن نسعى إلى المجهول وطريقنا في ذلك هو عملية استقراء بمعنى متابعة قسط معين من المجتمع الكلي – هذه المتابعة سمحت لنا بأن نصل إلى نتيجة معينة أخذت صورة تقييم لنتائج البحث الميداني في عملية استقراء هذا الاستقراء الذي تضمن انتقالا من الخاص إلى العام قدم لنا حكما استطعنا أن نستنبط منه نتيجة معينة متصلة بموقف الرأي العام الكلي.

افتراض يستند إلى قانون علمي.

جمع معلومات ميدانية من وحدات متعددة (مشاهدة الخاص).

هذه المشاهدة قادت إلى نتيجة العام.

هذه النتيجة في حكم: 70% من العينة تؤيد القرار.

هذه الحكم عام قادنا إلى نتيجة مستنبطة وهي أن الرأي العام الكلي يؤيد القرار السياسي.

في جميع هذه العمليات لم يحدث أي انتقال من الجزء إلى الكل أو العكس. ذلك أن الظاهرة التي اخضعناها لعملية التحليل قد وصلنا إليها مباشرة. والظاهرة هي الرأي العام وما نريد أن نعرفه هو تقبل هذا الرأي العام لقرار معين أو رفضه لذلك القرار بخصوص مشكلة معينة. وإذا كنا لا نستطيع أن نصل إلى جميع وحدات المجتمع السياسي، فأننا جعلنا تحليلنا يدور حول أشخاص ممثلين للكل وافتراضنا أن كل مجموعة من هؤلاء تعبر عن أراء الآخرين. انتقال من الخاص إلى العام ثم من العام الذي وصلنا إليه عن طريق الاستقراء إلى الخاص الذي سوف نصل إليه عن طريق الاستنباط وهو الحكم النهائي بالنسبة للمجتمع السياسي أي بالنسبة لموقف المجتمع الكلي من المشكلة.

ولكن لو أردنا تحليل ثبات النظام السياسي عن عدمه، فإن مثل هذه العملية لا يمكن أن تكون كافية. فالمفهوم، أي ثبات النظام السياسي، مفهوم كلي لا يمكن أن نصل إليه عن طريق الانتقال من الخاص إلى العام. كيف أولا نستطيع أن نصل إليه بأسلوب علمي؟ دون تأصيل للنواحي المنهاجية فأن المنطق العادي لابد وأن يجيبنا بأنه يجب علينا أن نبدأ فنحدد تلك القوى التي يستفيد منها النظام السياسي ويستند عليه بحيث تحميه، هذه القوى ذات المصلحة المادية والمعنوية في بقاء واستقرار النظام السياسي وبالتالي ثباته، هي التي من دراستها كما وكيف نستطيع أن نجيب على السؤال موضع البحث. وهكذا علينا أن نحدد القوى، أن تدرس كلا من تلك القوى على حده، أن نجمع هذه الدراسات لتستطيع أن نصل إلى الإجابة على السؤال. أنها تفرض أسلوبا آخر أساسه دراسة الجزء وعن طريق دراسة هذا نستطيع أن ننتقل إلى استخلاص النتائج التي تسمح بفهم الكل.

ولنوضح ذلك بمثل آخر أكثر بساطة: لنفرض أن مريضا يريد تشخيص حالته المرضية وهو لا يعرف من أين يأتيه الألم. فيلجأ الطبيب إلى دراسة كل جزء من أجزاء جسده على حده، وعقب ذلك بخبرة بأن جسده لا يعبر عن أي حالة مرضية هذا انتقال من الجزء إلى الكل.

وظاهر من هذا الفارق الصعوبة الحقيقيه في عملية الانتقال من الجزء إلى الكل.

أ-ضرورة الحركة الكاملة بجميع عناصر الكل أو أغلبها. ذلك لأن ترك أيا من هذه العناصر يعنى تقديم صورة مشوهة، على عكس ما حدث في عملية الانتقال من الخاص إلى العام حيث أن ترك جزء من الخاص لا يؤثر على صحة الحكم الذي يتضمنه العام.

ب- كذلك فإن الانتقال من الجزء إلى الكل يتضمن عملية منطقية تفترض القدرة على التصور، هي أقرب إلى الإيحاء منها إلى المنطق فهي نوع من الحساسية والنبوغ الذي يكاد لا يخضع لقواعد عملية واضحة، أما تعميم النتائج فهو عملية تلقائية بحتة تتضمن ولا تفترض أي نبوغ أو منطق غير مادي.

جـ- وهكذا نستطيع أن نتصور أن أيا من هذه العمليات لا يغنى عن الآخر بل وقد نلجأ إلى كلاهما في آن واحد: فالطبيب الذي يريد أن يقرر الحالة الصحية لشخص معين فيتعين عليه أن يفحص كل جزء من أجزاء جسده على حده سبق أن قدمناه نموذج لعملية الانتقال من الجزء إلى الكل ولكنه في عملية تحليل الجزء قد يلجأ إلى أسلوب العينة الذي هو نوع الانتقال من الخاص إلى العام وكذلك في تحليل ثبات النظام السياسي فلو تصورنا أن أحدى القوى المساندة لنظام معين هي طبقة الملاك للعقارات المسكونة مثلا في المدن فلا داعي لأن تقوم بعملية تحليل ودراسة ميدانية لجميع ملاك مثل تلك العقارات بل يكفي أن تختار منهم عينة ممثلة. وهكذا قد تتضمن عملية الانتقال من الجزء إلى الكل أيضا عملية انتقال من الخاص إلى العام.

ثامنًا: عملية الانتقال من الجزء إلى الكل وخصائصها في التحليل السياسي:

      مما سبق نستطيع أن نميز بوضوح بين عملية الانتقال من الجزء إلى الكل من جانب ويختلف درجات التجريد المنطقي من جانب آخر: تعميم النتائج والانتقال من الخاص إلى العام، النظرية الجزئية، النظرية العامة. إذا كنا قد تعرضنا إلى الدرجة الثانية من درجات التجريد المنطقي أي الانتقال من الخاص إلى العام بتفصيل كاف، وإذا كنا قد تنازلنا بإيجاز الدرجة الأولى أي تعميم النتائج، فإننا سوف نعود فيما بعد في القسم الثالث من هذا الكتاب إلى عملية بناء النظرية في مفهومها الجزئي ثم في مفهومها العام. على أننا نستطيع منذ الآن أن نحدد خصائص عملية الانتقال من الجزء إلى الكل في نطاق التحليل السياسي وهى الدرجة الثالثة من درجات التجريد المنطقي التي يكون موضعها فيما يتعلق بعملية التعميم المتتالي التي هي الصفة الأساسية وجوهر عملية التجريد المنطقي، فيما يلي:

1-     الفارق الجوهري بين هذه العمليات المختلفة والمتتابعة يسمح بتمييز كل منها عن الأخرى

1-              تعميم النتائج يعنى عينة قد انتزعت إحصائيا وافتراض أن ما تقدمه من خصائص بعض الوحدات صالحة لأن تعمم على الوحدات الأخرى التي لم تكن موضعا للتحليل.

2-              الانتقال من العام إلى الخاص يعني تخصيص حكم مطلق بحالة محددة هو إذا نوع من التطبيق للكليات.

3-              الانتقال نت الجزء إلى الكل هو نوع من التصور والتخيل. فرغم أن انتقال إلى حد ما من خاص إلى عام إلا أنه لا يعنى تعميما لنتائج بقدر ما يعني تخيلا لحقيقة غير معروفة.

وهكذا يقودنا إلى تحديد مقومات عملية الانتقال من الجزء إلى الكل.

2-     عملية الانتقال من الجزء إلى الكل إذا نفترض عناصر أربعة:

1-             ظاهرة كلية غير معروفة ومن غير الممكن الإمساك بها تجريبها

2-             ظاهرة جزئية معلومة ومعروفة تجريبيا

3-             علاقة تبعية وانطواء بين الظاهرة للجزئية والظاهرة الكلية: علاقة كاملة وثابتة بمعنى آخر يجب أن تكون الظاهرة الجزئية تكون أحد العناصر التي تنتمي إلى الظاهرة الكلية وتنطوي تحت عالمها المستقل.

4-             نبوغ الباحث وقدرته وحساسيته التي تسمح له بإمكانية القيام بتلك العملية أي بعملية التجريد المنطقي حيث تنتقل من عالم ملموس إلى ذلك العالم الخفي والذي يرفض أن يكون موضعا للالتقاء التجريبي بحيث يخلق بذاته منطقة الذي هو أقرب إلى الإيحاء والخيرة منه إلى المنطق العلمي.

فنقدم لذلك نموذجا: عندما يدعى الطبيب الشرعي عقب جريمة فيحدد أثرا للقاتل في شكل علامات تعكس بعض ملامح قدم القاتل. فإذا به ابتداء من تلك العلامات التي لا تعد وأن تكون تعبيرا عن حقيقة جزئية وهى قدم القاتل، يقدم لنا تصورا لخصائص القاتل ذاته من حيث وزنه وطول قامته بل وقد بصفة بأنه مصاب بعاهة في قدمه. هذه العملية لا تخضع لقواعد عملية بالمعنى التقليدي أنها تفترض قدرة على التخيل والتصور انطلاقا من ذلك الواقع ولكن تعبيرا عن نبوغ الباحث والمحلل.

كذلك في نطاق التحليل السياسي يظهر هذا الأسلوب واضحا في عملية اكتشاف أبعاد الموقف السياسي المحلي المعادي ابتداء من تحليل الدعاية الأجنبية المعادية. فلنفترض أن دولتين أو في حالة صراع مسلح وأن إمكانية جمع المعلومات بينهما عن الطريق الطبيعي وهو العمل الدبلوماسي مقطوع وليس هناك من أسلوب لجمع المعلومات سوى أداة المخابرات غير الشرعية فكيف نستطيع أن تكشف بأسلوب علمي طبيعة علاقة القوة التي تحكم وتساند الموقف الداخلي للنظام السياسي المعادي؟ المجتمع المعاصر سمح لنا أن يفتح أحد الأبواب التي نستطيع بأسلوب علمي معين من خلالها أن نكتشف خصائص تلك العلاقة. الباب هو الأعلام والدعاية الخارجية والاداة هي تحليل المضمون. فالدولة المعاصرة تؤدى وظيفة إيديولوجية محددة وواضحة وهي وظيفة الاتصال السياسي. مسالكها في ذلك ثلاث: الأعلام – الدعاية – الداخلية الدعاية الخارجية – كل من هذه المسالك يؤدى وظيفة تختلف عن الأخرى وأن أتحدث جميعها في أنها تعكس الوظيفة التناسبية. الأعلام يعنى الأخبار، يعنى نقل الحقيقة المجردة، الدعاية الداخلية تنبعث من مقومات عقيدية، بقصد خلق الترابط والتجانس القومي. هي تدعو بعبارة أخرى إلى خلق الاهتمام والتعبئة المحلية بحيث تصور جميع عناصر المجتمع السياسي في لحظة هذا الصراع الدولي كتله واحدة أما الدعاية الخارجية فالقصد منها التخلق الجو الدولي ذو الإطار العام النفسي المرتبط بالمجتمع الدولي بنوع من التعاطف مع الدولة صاحبة الشأن.

       بهذا المعنى هو أداة من أدوات السياسة الخارجية فإذا استطعنا أن نحلل الدعاية الخارجية المعادية فأننا نستطيع عن طريق الانتقال من الجزء إلى الكل حيث أن الدعاية الخارجية. وحيث أن السياسة الخارجية هي امتداد للسياسية الداخلية تحكمها نفس القواعد التي تحكم السياسة الداخلية واختلف في بعض أهدافها وأدوات تنفيذ هذه فإن العلم ببعض أهداف وخصائص السياسة الخارجية وخصوصا لو أكملنا أو تصور خصائص الموقف الداخلي ومن بينه طبيعة علاقة القوة التي تفرض نفسها على الطبقة الحاكمة. عمليات متتابعة للانتقال من الجزء إلى الكل تعكس مدى أهمية ذلك الأسلوب من أساليب التحليل في نطاق الحياة السياسية وتؤكد أيضا الدولي، بل أنها يجب أن تضم وتحضن كل ماله صلة بالوجود السياسي.

ج- كذلك نستطيع أن نفهم لماذا التحليل السياسي لا يعرف صورا أخرى من صور التنقل المنطقي من الجزء إلى الكل ذهابا وإيابا. فقد سبق أن رأينا علم الفلك يتصور الانتقال من الجزء إلى الكل ثم من الكل إلى الجزء. التحليل السياسي لم يعرف بعد سوى الانتقال من الجزء إلى الكل. ترى هل سوف يقدر له أن يستطيع بدوره تحقيق عملية الانتقال من الكل إلى الجزء بنفس الأسلوب والمنهاجية التي يعرفها علم الفلك؟ في النموذج السابق لو تصورنا إمكانية التحليل السياسي في أنه عقب أن يصل إلى تحديد خصائص إحدى الوحدات الجزئية للوجود السياسي المعادي فإنه في تلك اللحظة يكون قد وصل إلى نفس مستوى علم الفلك من حيث منهاجية التحليل بخصوص هذه الأداة من أدوات التنبؤ بالنتائج.

د- كذلك يحضرنا بهذا الحضور بأن نتذكر كيف أن عملية الانتقال من الجزء إلى الكل في خلال محاولتها لتحقيق التفسير المكروكزمى قد نلجأ إلى فكرة بناء النموذج. سوف نرى فيما بعد كيف أن عملية بناء النموذج هي إحدى الأدوات السياسية لبناء الإطار الفكري للتحليل وكيف أن بناء النموذج ليس هو بناء النظرية: الأول أداة للاكتشاف الثاني أداة للتفسير، رغم ذلك يجب أن نتذكر منذ الآن أن عملية بناء النموذج ترتبط في نطاق التحليل السياسي بعملية الانتقال من الجزء إلى الكل: تسهيل وتعدم النبوغ الفردي في عمليات متتابعة بطبيعتها تكاد لا تعرف منطقا علميًا.

 





تعليق طباعة عودة للخلف

عدد القراء: 140

عدد التعليقات: 0
مواضيع ذات صلة

 

        تعليقات الزوار

Contact Us

feel free to contact us at our Email : kamaltopic@gmail.com

Dr. Kamal Mobile is :+970599843850

رؤية وأهداف

نهدف من خلال موقعنا إلى تزويد الطلاب والباحثين والمهتمين بخدمات علمية مجانية عالية المستوى ونشر أبحاث ودراسات اكاديمية

الدكتور كمال الأسطل,

Missiion Statement

Our goal is to provide students, researchers and interested people with high standard, free of charge scientific services and to publish academic researches.

Kamal Astal,